أرقام مخيفة: تزويج القاصرات ارتفع من 6% الى 20% في المجتمع اللبناني و48% في المخيمات
تستدعي ظاهرة اقتران القاصرات في لبنان الاهتمام والتفكير بشكل جدي الى جانب بذل الجهود بين مختلف مكونات المجتمع المدني والحكومة والجمعيات والمؤسسات المهتمة بحقوق الانسان والطفل وذلك لوضع حد لتمدد هذه الحالة التي باتت مرعبة. وتشهد مخيمات اللاجئين عموما والسوريين خصوصا في لبنان تفشيا كبيرا لهذا التحدي الاجتماعي، الذي أصبح قضية تتطلب اكتراثا عالمياً لا سيما في المخيمات التي تتوزع بشكل كبير في مناطق بالقربمن الحدود مع سوريا، حيث يعيش مئات الآلاف من هؤلاء في ظروف صعبة وتحت غياب الرقابة الفعالة. وتجدر الإشارة الى ان النزاع في سوريا تسبب في استغلال بعض العوائل الفقيرة وتزويج قاصراتهن لتخفيف أعباء الحياة نتيجة الاضطرابات في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة في البلدفي موازاة ذلك، قالت نائب رئيسة التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني سارة العوطة لـ “الديار” “ان تزويج القاصرات والطفلات عاد الى الواجهة من جديد وذلك بعدما أطلقنا الدراسة الوطنية التي كشفت عن نتائج التزويج المبكر. وأؤكد ان تَبَنِّينا لهذه القضية لا يعد امرا مستجدا بحيث ان آخر دراسة وطنية شاملة أجريت في هذا المجال كانت في العام 2016 والتي تعتبر كمرجع محدّث، خاصة وان النواب دائما يرددون ان الأرقام في هذا الخصوص ليست دقيقة”.
كيفية الوصول الى النسب
اوضحت الغوطة “ان الدراسة اخذت مجموعة من 1300 مجيب/ة وشملت جميع المحافظات وتقسمت العينة على الشكل الاتي: 15% من جبل لبنان، 25% من شمال لبنان، 27% من عكار، 17% من الجنوب، 10% من بيروت، 29% من البقاع، 31% من بعلبك – الهرمل و23% من النبطية. وتضمنت الدراسة أسئلة تُعنى بالأسباب ونتائج التزويج وديموغرافية المجيبين وفي أي عمر تزوجوا وعدد الأولاد والمعيشة وتتضمن الحديث مدى معرفتهم بالقانون”.وأشارت الى “ان الدراسة أعدها التجمع، في حين ان شركة “ايبسوس” هي التي تولت جمع البيانات على الأرض وتحليلها ومشاركتها معنا. واظهرت هذه الخاتمة التي حصلنا عليها ارتفاعا واضحا بالنسب، فبعد ان كانت 6% في العام 2016 وصلت الى 20% وتعد هذه الحصة متصاعدة بالنسبة الى المجتمع اللبناني، كما تبيّن ان تزويج الأطفال هو اعلى عند السوريين ثم يليهم اللبنانيون فالفلسطينيون”.وقالت: “من المسائل المهمة التي ينبغي الوقوف عليها في هذه الدراسة هو ان 40% من المجيبين اسندوا سبب تزويج أطفالهم الى ان عرض الزواج كان مناسبا وقد قدم الدعم المادي للأسرة، وهذا الامر نعتبره نوعا من العبودية. الى جانب ذلك، علمنا من خلال الحالات التي كانت تأتي الى مراكزنا المنتشرة في جميع المحافظات اللبنانية ان العريس دفع مبلغا ماليا معينا للأهل وعلى هذا الأساس تم عقد زواج مبكر”.
ووضحت “ان ابرام هكذا اتفاق قد لا يكون لقاء مبلغ شهري وانما دفعة أولى كاملة، فمثلا في احدى المرات تزوج رجل كبير في العمر من فتاتين قاصرتين؛ وقتذاك قال حرفيا انه دفع مقابل كل رأس “أي كل فتاة” 400$ للوالد وهذه الواقعة أكدها أحد نواب منطقة الشمال في المؤتمر الصحفي الذي عقدناه العام المنصرم لذلك نرى ان هذه القضية عبارة عن عبودية واتجار بالأطفال لان الموضوع بات انتهازا”.
اذى معنوي وجسدي!
من جهتها قالت الاختصاصية الاجتماعية غنوة يونس لـ “الديار “ان قضية تزويج القاصرات في لبنان تحمل أهمية بالغة في فهم طبيعة هذه الظاهرة وتأثيرها في المجتمع والفتيات المعنيات بها. فالتزويج المبكر يعرض القاصرات للكثير من المشاكل النفسية والصحية والاقتصادية، كما يحد من فرصهن في الحصول على تعليم جيد ويجعلهن عرضة لعنف الزوج والعنف الأسري”.اردفت “الزواج المبكر شائع في العديد من المجتمعات وان بدأ هذا الفعل يأخذ راهنا منحى آخر من باب الوعي وللإضاءة على الأسباب ومضار شيوعه. وبالرغم من ذلك تتفاوت معدلات تفشيه بين الأرياف والقرى النائية والمجتمعات النامية. بالإضافة الى كل ما تقدم يتم ربطه بالعادات والتقاليد والتحديات الاقتصادية والأوضاع المعيشية والفقر لا سيما في المجتمع الابوي والنظام الذكوري الذي يقدم الرجل على المرأة ويعطي الأولوية للذكر. ومن وجهة نظر هذا المجتمع، من المهم ان تكون الفتاة بعيدة عن السلطة وتتلقى الأوامر وتنفذها، ووظائفها كأنثى يجب ان تبقى محدودة وتنحصر بالزواج والانجاب وتربية الأطفال وتحرم من العلم والعمل. وهناك عدة عوامل لزواج القاصرات لا تتعلق بالفقر فقط، وانما بمجموعة مقومات متشابكة”.
المخاطر الاجتماعية
وأشارت يونس الى “الاضرار الناتجة من الزواج المبكر على الصعيد الصحي والاجتماعي، والمخاطر الجسيمة التي تعرض الفتاة القاصر للعنف الزوجي والتسرّب المدرسي، ناهيكم بارتفاع معدلات الطلاق والانجاب المبكر. فهذا الارتكاب يؤثر سلبا في حياة البنت واطفالها ويهدد حياتها التعليمية ويقلل من فرص حصولها على وظائف جيدة في المستقبل ويهمش دورها بالحركة الاقتصادية والتنمية الاجتماعية. بالإضافة الى الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية المقترنة بخراب العائلات وإجهاض طاقات لم تتبلور بعد، من خلال تزويج قاصر وحرمانها من ابسط حقوقها. فوق ذلك هذه الفتاة لا تزال غير مؤهلة للإنجاب وتحمّل الام المخاض والولادة، وغير مستعدة لتولي مثل هذه المسؤوليات والتي قد تخلق مشكلات صحية لها وللطفل وتزيد من خطر الوفاة وهذا يضعها في مكان بعيد عن الاستقرار”.
انتهاك!
وختمت قائلة: “زواج القاصرات هو خرق لحقوق الانسان وبالتالي حقوق الطفلة لأنه يمنعها من تحقيق احلامها وبناء واختيار مستقبلها ويحرمها من التعليم والتقدم في المجالات الحياتية. ويلقي على كاهلها ضغوطات وواجبات تفوق قدراتها وطاقاتها البدنية والنفسية. وبالتالي النتائج المترتبة على هذه الجريمة تكون كارثية على مستوى العائلة والزواج والأطفال والحياة الشخصية”.