المطران عودة للمسؤولين: تواضعوا وتحمّلوا المسؤوليّة!
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: “تودع كنيستنا المقدسة اليوم عيد ميلاد المخلص، وتهيئنا للدخول في أجواء عيد الظهور الإلهي، إذ نسمع في إنجيل اليوم عن النبي السابق المجيد يوحنا المعمدان، الذي عمد الآتين إليه من الناس، قائلا لهم: «إنه يأتي بعدي من هو أقوى مني، وأنا لا أستحق أن أنحني وأحل سير حذائه. أنا عمدتكم بالماء، وأما هو فيعمدكم بالروح القدس». يقول إشعياء النبي عن السابق إنه صوت صارخ في البرية، أي هو أسد يزأر بصوته القوي في برية إسرائيل، والشعب الذي يحيا كأنه في البرية هو غير مثمر. إنه يصرخ ليحث الشعب على التوبة. وبما أن مرقس الإنجيلي يكتب للرومانيين، نجده يقدم المعمدان كسابق يعد الطريق أمام المسيح الملك، لإن الرومانيين كانوا يرسلون من يعد الطريق أمام ملوكهم. ولأن رسول الملك أسد صارخ، هذا يدل على عظمة قدرة الملك”.
أضاف: “بوعظه وكلامه الناري حرك يوحنا مشاعر الجميع، فقدموا توبة كانت علامتها المعمودية في الماء استعدادا لمجيء المسيح. من يظهر توبة حقيقية تنفتح عيناه ويعرف المسيح ويؤمن به، فيقبل المعمودية بالماء والروح، ويصير من أبناء الله. قوة معمودية يوحنا لم تكن في ذاتها، إنما في تهيئتها لمعمودية الرب يسوع. يوحنا يمثل نهاية الناموس في دفعه الإنسان إلى الإلتحاق بالمسيح، وقيادة الكل إليه. يقدم لنا يوحنا، كنهاية للعهد القديم، خلاصة هذا العهد التي هي جذب العالم كله ودعوته إلى المسيح. الإنجيلي مرقس هو الوحيد الذي أعطى لسفره عنوان «إنجيل»، مفتتحا إياه هكذا: «بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله»، وكأننا به لا يقدم مجرد عرض لأحداث تمت، إنما يهدي بشارة مفرحة لكل نفس تلتقي بيسوع المسيح المخلص”.
وتابع: “اللافت أن إنجيل مرقس يبدأ بإعلان بنوة المسيح للآب في افتتاحيته، ويختم بدعوة المسيح لتلاميذه لأن يكرزوا للأمم ويعمدوهم، وفيما هو يحدثهم يصعد إلى السماوات، إلى أحضان أبيه. بكلام آخر، يفتتح مرقس إنجيله ببنوة السيد للآب، ويختتمه بدعوتنا إلى البنوة للآب عبر الإيمان به والإعتماد، بغية الإرتفاع معه للتنعم في أحضان الآب. يقول القديس إيرونيموس إن يوحنا المعمدان هو صورة حية للحياة النسكية. فقد كانت أمه تقية، وأبوه كاهنا، ومع هذا لم تجتذبه عاطفة أمه ولا مركز أبيه، بل انطلق إلى البرية يطلب المسيح بعين الإيمان، رافضا كل شيء سواه. إستطاع يوحنا أن يجذب القلوب معه من العالم إلى البرية، تاركا ملذات المدينة ومباهجها، منطلقا إلى القفر يأكل عسلا بريا وجرادا، فاكتسب للرب، في القفر، أبناء العالم الذين تبعوه ليعتمدوا. رأى القديس أمبروسيوس في لباس المعمدان وطعامه كرازة نبوية عن عمل الرب يسوع وقال: «لقد تنبأ بملبسه عن مجيء المسيح الذي حمل نجاسات أعمالنا النتنة كمنطقة من جلد الحيوانات الميتة، وخطايا الأمم كوبر الإبل، طارحا هذا اللباس الذي لأجسادنا على الصليب. أما طعام يوحنا فحمل علامة على عمله وحوى سرا… فصيد الجراد عمل باطل بلا نفع إذ إنه لا يصلح للطعام، والجراد ينتقل من موضع إلى آخر بصوت مزعج. هكذا كانت شعوب الأمم كالجراد، ليس لها عمل نافع، ولا نشاط مثمر، تتمتم أصواتا بلا معنى ولا اتزان، وتجهل الحياة… أما العسل البري فيصور لنا عذوبة الكنيسة التي جاءت من البرية، إذ لم تحصر أعمالها في حدود خلايا ناموس اليهود، بل امتدت إلى الحقول ومواضع الغابة التي سبق أن امتلأت بالظلال، كما كتب: سمعنا به في أفراثا ووجدناه في بقاع الغاب (مز 132: 6)».
وقال: “أعلن يوحنا صراحة أنه ليس المسيح، وأن معموديته غير معمودية السيد، وأن شخصه أقل من أن يقارن بشخص السيد. كانت معمودية يوحنا ظلا أو رمزا لغسل الجسد، أما معمودية يسوع فتقدس الجسد والنفس معا. يقول القديس أمبروسيوس أيضا: «الماء والروح لا يفترقان، إذ اختلفت معمودية التوبة عن معمودية النعمة التي تشمل العنصرين معا، أما الأولى فتخص عنصرا واحدا. إن كان الجسد والنفس يشتركان معا في الخطيئة، فالتطهير واجب للإثنين». في الأخير يعلن يوحنا المعمدان أنه غير مستحق لأن يمد يده ليحل سيور حذاء الرب يسوع، لكن الرب يسوع سوف يحني رأسه تحت هذه اليد المتواضعة بحسب قول القديس يوحنا الذهبي الفم: «اليد التي أكد يوحنا أنها غير مستحقة أن تمس حذاء السيد سحبها المسيح على رأسه». من هنا، نتعلم أن التواضع يأتي بالمسيح إلى حياتنا، فيباركها ويحل في كل كياننا”.
وختم عودة: “دعوتنا اليوم أن نهيئ الطريق للمسيح إلى قلوب كل من هم حولنا، فنكون سابقين مثل يوحنا المعمدان، نعمد القلوب بالمحبة التي أوصانا بها الرب. كذلك ندعو جميع المسؤولين إلى التواضع، تمثلا بالمعمدان، وإلى إعداد الطريق لرئيس للبلاد ينتخب بأسرع وقت لتبدأ معه مسيرة إصلاح ونهوض نأمل ألا تطول، لكي يعود لبنان إلى تألقه وازدهاره وديمقراطيته ودوره. ولكي يحصل كل هذا على كل مسؤول أن يعي خطورة الظرف وأن يتحمل مسؤوليته ويتخلى ولو لمرة واحدة عن كل ما يمنعه عن القيام بما يلزم من أجل تسهيل عملية الإنتخاب. نحن بحاجة إلى موقف وطني يجمع على انتخاب رئيس وإعادة تكوين للسلطة، وعلى حماية لبنان، كل لبنان، بسلطة القانون، فينعم الجميع بالأمان والسلام والاستقرار”.