تلزيم “الميكانيك” طار موقتاً: العارضون لم يفهموا الدفتر!
أجّلت هيئة إدارة السير والآليات والمركبات موعد فض عروض مناقصة إدارة وصيانة وتشغيل مراكز المعاينة والكشف الميكانيكي القائمة حالياً في كل من الحدث، الغازية، زحلة، مجدليا وزغرتا، والذي كان محدداً في 30 تشرين الأول الجاري، من دون أن تحدد موعداً جديداً له.
كتاب التأجيل الذي حمل توقيع رئيس مجلس إدارة ومدير عام الهيئة بالتكليف القاضي مروان عبود، نشر عبر منصة هيئة الشراء العام، من دون الإستفاضة في شرح «التغييرات الجوهرية» التي إستدعت إعادة النظر بدفتر الشروط. بل إكتفى بالإشارة إلى أن الهيئة تعتزم ذلك «لإزالة الغموض وتأمين التنافس والمساواة بين العارضين، تطبيقاً للمادة 21 من قانون الشراء العام». وهي بالتالي قررت «إرجاء موعد جلسة التلزيم إلى موعد يُعلن عنه لاحقاً وفق الأصول وفور إنجاز التعديلات المطلوبة».
ولكن قرار التأجيل «المفتوح» وفقاً لما تبيّن، لم يكن منسقاً مع هيئة الشراء العام. والتواصل الذي سبق التأجيل بين الهيئتين لم يزل الغموض بالنسبة لها. إذ اعتبرت مصادر هيئة الشراء العام «أن نشر هيئة إدارة المركبات للكتاب غير واضح، كما أنّ الكتاب ليس واضحاً»، مؤكدة أنها «لم تستشر حول تأجيل لموعد يعلن عنه لاحقاً».
جاء هذا التفرد بالقرار متناقضاً مع مسار التنسيق الذي حصل خلال مرحلة إعداد دفتر شروط المناقصة وإطلاقه في مؤتمر صحافي مشترك بين ممثلي الهيئتين ووزير الداخلية. وعليه تخوفت مصادر متابعة أن يُحبط هذا التأجيل كل التوقعات بإنجاز التلزيم بسلاسة، خصوصاً أنّ دفتر الشروط الذي رأت هيئة إدارة السير حاجة لإدخال تعديلات جوهرية عليه، قد وصف سابقاً بـ»البسيط والسلس والواضح، وبأنّه يؤمن مشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة الراغبة بإدارة هذا القطاع».
فما الذي قلب المشهد إلى هذه الدرجة؟
يشرح عبود لـ»نداء الوطن» أنّ الإنطباع الأوّل حول دفتر الشروط أنّه كان واضحاً، إلا أنّ الكمّ الكبير من الأسئلة والإستفسارات التي وردتنا، بيّن الكثير من النقاط غير الواضحة، وبالتالي إذا مضينا بجلسة التلزيم، قد تكون معرضة للطعن». ويلفت إلى أن بعض الأسئلة التي طرحت «تتعلق بطريقة تمويل المناقصة، والتعويض عن فرق الأسعار إذا حصل وغيرها…»
وعليه قال عبود: «لا نريد أن نقع في الإستنساب، فلتكن الأمور واضحة منذ البداية، ولذلك سحبنا دفتر الشروط وسنعدله، وكل الاسئلة التي طرحت علينا ستكون إجابتها واردة تفصيلياً، وهكذا يكون الكل على بيّنة من حقوقه وواجباته».
غير أنّ الأصعب كما بدا من كلام عبود هو تحديد موعد جديد للمناقصة، ليس فقط لكونه لا يعرف كما قال «الوقت الذي ستستغرقه التعديلات المطلوبة على دفتر الشروط»، إنما برأيه أنه «يمكن تحديد موعد جديد خلال شهر أو شهرين، ولكن أين الضمانات بأنّ الوضع الأمني سيسمح بالمضي بالمناقصة حينها؟ ومن أين سنأتي بإستثمارات ونحن على أبواب حرب؟»، وعليه خلص إلى أنّ الموعد المقبل سيحدد بناء على وضع البلد والتطورات الأمنية.
لماذا لم يعدّل ضمن المهلة؟
إلا أنّ مصادر هيئة الشراء العام، لم تبد متوافقة مع عبود في تأجيل غير محدد للصفقة. وبرأيها أنّه «إذا كانت الممارسة العملية بعد إطلاق الدفتر بيّنت حاجته لتعديلات إضافية، فلماذا لم تعدل هذه الشروط ضمن المهلة المحددة لتقديم العروض، والتي امتدت لنحو شهرين تقريباً». وشددت على أنّ «أي تعديل في دفتر الشروط يفترض أن تطلع عليه الهيئة ليبنى على الشيء مقتضاه»، مؤكدة أنّ «هذا الأمر سيكون قيد متابعة دقيقة من قبلها للتأكد من إستمرار تطبيق مبدأي المنافسة والشفافية اللذين تصر عليهما في مطلق مناقصة».
قرار التأجيل جاء مفاجئاً أيضاً لموظفي شركة «فال» التي إحتكرت خدمة الكشف الميكانيكي لأكثر من عشرين سنة. فهؤلاء كانوا قد ضمنوا وظائفهم بعد حلّ «الشركة» وإنهاء أعمالها كلياً، من خلال دفتر الشروط الأخير الذي أصر على تحويل موظفي الشركة، أو من تبقى منهم، إلى متعهدي إدارة المراكز الجدد. فصدر بيان باسم عمال ومستخدمي المعاينة الميكانيكية حذر من الخضوع لضغوطات من أسماهم «نافذين لم يعتادوا المناقصات الشفافة» مطالباً بحماية حقوق 400 موظف، بالإضافة إلى حماية هذا القطاع الذي يعنى بالسلامة المرورية.
هذا في وقت تخوف رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر في تصريح لـ»نداء الوطن» «من عملية نسف لدفتر الشروط الذي عملت الهيئة على وضعه مع هيئة الشراء العام، وقد درست بنوده بعناية وشفافية مطلقة بما يضمن حقوق المواطن، وحقوق الموظف، والدولة والملتزم».
وأكد بأنّ «ظروف المناقصة كانت متوفرة عملياً، وهذا ما يخلق توجساً حول السبب الفعلي الذي جعل هيئة إدارة السير تؤجلها، خصوصاً أنّ هذا السبب لم يحدد بشكل واضح»، متسائلاً: «هل تستحق التغييرات الجوهرية التي ذكرها رئيس هيئة السير في قراره تأجيلاً إلى أجل غير محدد»؟
في إنتظار حلحلة هذه العقد التي طرأت على مناقصة التلزيم، يؤكد عبود «بأننا مستعجلين على إتمام العملية أكثر من غيرنا».
فالمعلوم أنّ الكشف الميكانيكي معطل بالبلد منذ قرابة السنتين تقريباً، حيث يسدد المواطنون رسوم الميكانيك من دون أي كشف على سياراتهم. وهذا ما يخالف القوانين، وينسف الهدف الرئيسي لرسم الميكانيك الذي يفترض أن يؤمن حماية البيئة وتأمين السلامة المرورية إنطلاقاً من سلامة السيارات أولاً. إلا أنّ هذا التدبير كان شراً لا بد منه، بسبب ما لجأت إليه «فال» من رسوم غير مبررة فرضتها على كل معاينة ميكانيكية خلال الأزمة المالية الأخيرة، ما دفع بوزير الداخلية في شهر أيار من العام الماضي إلى إحالة الشركة على النيابة العامة التمييزية.
مرحلة غير احتكارية
كان يفترض أن تؤسس المناقصة التي أطلقها المولوي في 31 آب الماضي بالمقابل، لمرحلة جديدة من إدارة هذا القطاع بعيداً عن الإحتكارية التي سادت خلال مرحلة عقد «فال» الطويل الأمد، خصوصاً أنّ دفتر شروط المناقصة الذي سيدرس تعديله مجدداً «حدد وظيفة الملتزم لمدة ثلاث سنوات بـ»إدارة وصيانة وتشغيل المحطات القائمة»، متيحاً الفرصة أمام مشاركة شركات صغيرة ومتوسطة، وهذا ما يفسر سحب دفتر الشروط من قبل عدد كبير من العارضين المحتملين»، وفقاً لما أكده عبود، لا سيما وأنّ العارض يمكنه أن يقدم عرضاً لتشغيل مركز واحد أو أكثر، وهذا ما يوسع مروحة التنافس، ويؤمن تعددية الجهات الملتزمة لتشغيل القطاع، وبالتالي يجعل إدارات المراكز تتنافس في ما بينها على تقديم الخدمة الأفضل للمواطنين.
هذا في وقت حرص دفتر الشروط على تأمين وحدة بدل المعاينة الذي حُدد بناء لسعر إجمالي أدنى. ولن تكون للملتزم صلاحية تحديد قيمته، بل تسدد مستحقاته من قبل الدولة اللبنانية التي تستوفى الرسوم من المواطن لمصلحتها، على أن يحدد هذا البدل بموجب قانون شامل تطبق أحكامه على جميع الأراضي اللبنانية بالمساواة. هذا بعض ما جاء في دفتر الشروط المطلوب تعديله بالنسبة لهيئة إدارة السير، فأي من بنوده الجوهرية سيعدل أو ينسف، ولمصلحة من؟