ترحيل السوريين المخالفين: المساعدات غير “مُهدَّدة”
كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
يواصل الجيش اللبناني عملية ترحيل السوريين المخالفين، بغطاءٍ رسمي وقرار من الحكومة، فيجري يومياً مداهمات عدة تسفر عن ترحيل مخالفين وتوقيف آخرين ارتكبوا جرائم أو إشكالات، والإشكالات كثيرة والجرائم متنوّعة. في سنة 2023، حتى نيسان الماضي، أوقف الجيش 1081 سورياً لارتكابهم جرائم مختلفة، من الدخول خلسة الى الإعتداءات والسرقة وحيازة أسلحة وتجارة مخدرات والإرهاب… هذا عدا عن التوقيفات التي تجريها القوى الأمنية. قيادة الجيش لا «تسمع» لأحد في هذه العملية. القرار واضح والهدف أوضح. كلّ سوري لا يملك أوراق إقامة قانونية يُرحّل، بحسب القوانين والمهمات المنوطة بالجيش والأوامر المعطاة للضباط والعسكريين. أمّا ما بعد الحدود اللبنانية، فلا علاقة للمؤسسة العسكرية به. تنطلق مهمة الجيش من الداخل اللبناني وتقف عند الحدود مع سوريا حيث يُسلِّم المرحّلِين.
«المئة دولار» لم تتوقّف
عملية ترحيل السوريين مستمرّة يومياً ولن تتوقّف مهما علت أصوات تحت لواء «الانسانية» منتقدةً أو محاولةً إبراز نواحٍ إنسانية في عملية الترحيل لـ»التشويش» على مهمة الجيش. وانطلاقاً من تصويب بعض الجهات والمنظمات «الانسانية» على عمل المؤسسة العسكرية، ضُخّت أجواء عن أنّ قيادة الجيش تتعرّض لضغوط من سفارات ومسؤولين في دول غربية بغية وقف عملية الترحيل أو التنسيق معها في هذا الإجراء، مع التلويح أو التهديد بوقف المساعدات التي يتلقّاها الجيش.
هذه الأجواء ترافقت مع أخبار عن توقُّف تلقّي العسكريين المئة دولار، «القطرية» المصدر، وفي الوقت نفسه عدم تلقّيهم مئة دولار شهرياً من الولايات المتحدة الأميركية ضمن برنامج دعم رواتب العسكريين على غرار قوى الأمن الداخلي، ما أضفى غموضاً وتساؤلات حيال توقف هذه المساعدات المالية المباشرة للعسكريين نهائياً، والتي من دونها لما كان تمكّن العسكري من الصمود حتى الآن ولا استطاعت المؤسسة العسكرية الحفاظ على تماسكها. عملياً لا ارتباط بين التأخر في توزيع المئة دولار لدعم رواتب العسكريين من قطر أو من واشنطن وعملية ترحيل السوريين، فهذه المساعدة المالية من قطر لمدة سنة لم تتوقّف بل مستمرّة وتُوزّع بحسب موعد تلقّي الأموال من الدوحة. أمّا المساعدة الأميركية والتي بدأت توزّع على عديد قوى الأمن الداخلي فالتأخر في توزيعها على العسكريين مرتبط بالآلية الإدارية، علماً أنّ عديد الجيش أكبر من عديد قوى الأمن الداخلي، ما يتطلّب وقتاً لتحضير «داتا» العسكريين وجمعها. وتؤكد مصادر معنيّة أنّ موضوع توقيف مختلف المساعدات التي يتلقّاها الجيش من الخارج غير مطروح وليس وارداً، فأيّ من الدول التي تقدّم مساعدات روتينية للمؤسسة العسكرية لم تتحدّث عن توقيف المساعدات، بل إنّ الجيش في صدد توقيع اتفاقيات لبرامج مساعدات مع دول أجنبية عدة.
وكانت المؤسسة العسكرية تسلّمت في 19 من أيار الجاري، 15 شاحنة عسكرية ضمن برنامج الهبات الأميركية المخصصة للجيش، وهو برنامج سنوي يتسلّم الجيش في إطاره هبات عدة خلال السنة، علماً أنّ هناك برامج دعم أميركية للجيش من وزارات أخرى أيضاً. وتشير لقاءات قائد الجيش العماد جوزاف عون خلال هذا الشهر الى ثبات الدعم الدولي للمؤسسة العسكرية. ففي 18 من الجاري، عقد عون اجتماعاً دورياً مع رابطة الملحقين العسكريين العرب والأجانب الذين أكدوا استمرار بلادهم في دعم الجيش بمختلف السبل لتمكينه من الاستمرار في تنفيذ مهماته.
كذلك وقّع قائد الجيش، خلال هذا الشهر، اتفاقية تعاون في مجال التجهيز، مع سفير ألمانيا والملحق العسكري في السفارة الالمانية في بيروت. والتقى عدداً من سفراء دول غربية أكدوا جميعاً دعم الجيش ووقفوا عند حاجاته.
دعم الجيش ومدّه بالمساعدة التي تقيه من خطر التشرذم وتخوّله تأدية مهماته بطريقة تضمن الاستقرار الأمني في البلد وتحول دون الانزلاق في فوضى وتفلّت الوضع، سياسة استراتيجية لأكثر من دولة خصوصاً الولايات المتحدة. وبالتالي لن تتوقف هذه المساعدات فقط لأنّ الجيش قام بترحيل عشرات أو مئات أو حتى آلاف السوريين المخالفين، علماً أنّ دعم الجيش يصبّ أساساً في صالح الأوروبيين والأميركيين وحتى العرب، خصوصاً لجهتي منع الهجرة غير الشرعية وعدم تعكير الاستقرار في الشرق الأوسط، بحسب ما تشرح مصادر ديبلوماسية. هذا فضلاً عن أنّ الجيش لا يستهدف لا النازحين ولا غير المخالفين، وهذا حق سيادي قانوني للدولة وقرار متخذ من السلطة التنفيذية والجيش يقوم بتنفيذه. وتشير هذه المصادر الى أنّ الأميركيين موّلوا الجيش وقاموا بتجهيزه وتدريب عديده من ضباط وعسكريين بنسبة مئة في المئة ولن يتخلّوا عنه.
أعداد المُرحّلين
المؤسسة العسكرية تؤثر عدم الدخول في طريقة سيْر عملية ترحيل السوريين المخالفين، خصوصاً لجهة أعداد المُرحّلين، فيما أفادت جهات متابعة للملف «نداء الوطن» أنّ منظمات إنسانية وثّقت ترحيل أكثر من 1731 سورياً منذ نيسان الفائت. أمّا من جهة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فتشير الى أنّها «تتلقى تقارير ترحيل اللاجئين السوريين قسراً بقلق بالغ وتُتابعها مع الاطراف المعنية».
وبالتالي، تبقى عملية ترحيل السوريين المخالفين محصورة في إطار استهداف مرتكبي الجرائم حفاظاً على الأمن والاستقرار في البلد، وعلى رغم أهميتها للدلالة الى استعادة الدولة اللبنانية المبادرة واتخاذها خطوات في ملف النزوح السوري، فضلاً عن أنّها تحدّ من «استسهال» الدخول خلسة الى البلد والعيش والعمل في لبنان من دون الأوراق القانونية اللازمة، إلّا أنّ هذه العملية ليست من الحلول الأساسية لملف النزوح، فترحيل بضعة آلاف من السوريين الذين دخلوا خلسةً لا تحقّق العودة الشاملة لأكثر من مليوني نازح موجودين في لبنان. لكن هذا لا يعني انتظار الحلّ الجذري السياسي من دون إنتاج حلول جزئية داخلية تخفّف من عدد النازحين ووطأة النزوح.