في عيد الصّحافة: ما هو مصير ومسار المهنة؟
كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
يحلّ عيد الصحافة هذا العام صعباً وقاسياً على الذين انخرطوا في مهنة المتاعب منذ عقود طويلة، وفي ظلّ تبدّل مفهوم العمل الصحافي بشكل جذريّ في السنوات العشر الأخيرة مع دخولنا زمن التحوّل الرقمي، وغزوة المواقع الإلكترونية التي اجتاحت الإعلام التقليدي والورقي بشكل خاص، وأدت إلى تراجعه بشكل لافت في لبنان.
لم يصمد الكثير أمام هذا التحوّل السريع. أُقفلت بعض الصحف وأفلست أخرى وسرّحت غيرها الكثير من موظفيها وهي اليوم تترنّح تحت الأعباء المالية الباهظة، فيما البقية تواصل المسيرة بأقل الممكن لتحافظ على رسالة القلم والكلمة والصورة والحرية معاً، بينما زملاء كثر بات مصيرهم في مهبّ الريح واختار بعضهم الإستسلام طوعاً والبحث عن عمل آخر يوفّر لهم الحياة الكريمة.
ويُرجع الزميل محمد الزعتري، الذي كان مراسلاً لجريدة «الدايلي ستار» الإنكليزية في الجنوب لـ»نداء الوطن»، والذي واكب كلّ الاعتداءات الإسرائيلية والإنتخابات النيابية والبلدية منذ ثلاثة عقود ونيف، تراجع مهنة المتاعب إلى أسباب كثيرة، أبرزها أنّها «تلقّت صفعة كبرى في التحوّل الرقمي، فتراجع نجم الصحافة بكل أشكالها ثم جاءت الأزمة الاقتصادية الخانقة وجائحة كورونا والعمل من المنزل وعبر الانترنت، فوجدنا أنفسنا فجأة خارج المعادلة التي أفنينا أجمل سني عمرنا من أجلها. لكن لن نندم، فالصحافة لم تكن مجرّد مهنة بل رسالة وواجب وطني ومن خلالها دافعنا عن لبنان وحقه وفضحنا العدو الاسرائيلي وجرائمه».
الزعتري ليس وحيداً، إذ تقول الزميلة رلى خالد مراسلة جريدة «النّهار» في جزين لـ»نداء الوطن»، إنّه «من خلال تجربتي كصحفية عملت مدة 18 سنة في مهنة «المتاعب» كما كان يحلو للشهيد جبران تويني أن يسمّيها، أستطيع أن أؤكّد أنّ العمل الصحفي لم يعد يحمل نفس المعاني والأهداف، حتى أنّ أساليبه تبدّلت بالكامل، فمن رسالة للدفاع عن الحقّ والحقيقة، ونصرة المظلومين والمهمشين في المجتمع ومناصرة القضايا الوطنية الاجتماعية والبيئية والإنسانية المحقة، بتغطية ومتابعة حثيثة على الأرض وبين الناس، تحوّل الإعلام الرقمي إلى مجرّد مهنة مكتبية عادية روتينية، تبغي الربح المادي والترويج لمواضيع بعيدة كلياً عن أي هدف سامٍ!».
وأضافت: «لقد استطعت المحافظة على موقعي في المجال الإعلامي وتحديداً في الصحافة المكتوبة، بالرغم من عدم وجود أي مردود فعلي لهذا العمل، لأنني لا أزال أؤمن بالرسالة خلف هذه المهنة، وحالياً أتولى مهام المسؤولة الإعلامية لعضو تكتلّ «الجمهورية القويّة» النائب سعيد الأسمر، وأطل على العمل الرقمي كمحرّرة لمواقع إلكترونية في الخليج العربي، تأميناً للإستمرارية المادية، فأضطر للسفر لمتابعة العمل ومواكبة كلّ جديد، وتسليم الأعمال في مواعيدها المحددة».
أزمة الصحافة والبحث عن تأمين المستقبل وتكوين العائلة في ظل المشهد اللبناني المأسوي، دفعت الزميل علي حنقير الشاب ذي العقد الثاني من العمر إلى ترك عمله كمصوّر لعدد من محطات التلفزة المحلية، وهو يكشف لـ»نداء الوطن» أنّ «المردود المالي لم يعد يناسب جهد العمل والتعب والمواكبة، لقد وصلنا إلى مرحلة غير قادرين على الصمود في وجه الأزمة والغلاء وارتفاع الدولار، فاخترت السفر إلى الخارج وأعمل حالياً كمسؤول مستودع في مشروع الهندسة المدنية. الراتب أفضل، أشعر بالإستقرار والأمان ويمكن أن أفكّر أفضل للمستقبل وفي تكوين الأسرة ومساعدة عائلتي».
بينما تواجه الزميلة نجية دهشة، خريجة كلية الإعلام في صيدا مشكلة البطالة، إذ تقول: «تخرّجت منذ سنوات ولم أجد فرصة عمل حتى اليوم، لقد تقدّمت بطلبات عمل كثيرة من دون جدوى. المهنة تراجعت وباتت الواسطة سيدة الموقف، لكنني لم أفقد الأمل ولن أتراجع عن الرسالة التي أعشقها بشغف وأقوم حالياً وبلا مقابل وبمبادرة منّي بإعداد ونشر حكايات وقصص الناس ونجاح جيل الشباب باستخدام الإعلام الرقمي ومواقع التواصل الإجتماعي، وسأبقى أنتظر فرصتي التي أسعى اليها بلا كلل أو ملل