طلبات لإنشاء مصارف جديدة بينها مصرفان رقميان… فهل تبصر النور
كتبت سلوى بعلبكي في النهار:
ما كان يُهمس به سراً في دوائر صناعة القرار المالي والاقتصادي في لبنان والخارج، أصبح يُحكى بصوت أعلى من حناجر جهورية على المنابر وآخرها على منبر مجلس النواب وتحديداً لجنة الاقتصاد التي خصّصت اجتماعها أمس للبحث في الترخيص لمصارف جديدة يقال إنه حصل تفاهم مع صندوق النقد لإنشائها، على أن لا تكون على أنقاض المصارف الحالية، وفق ما لمّح إليه رئيس لجنة الاقتصاد النائب فريد البستاني.
وقد سبق هذا الحديث العلني عن إنشاء مصارف جديدة، طروحات عدة هدفت في غالبيتها الى التأسيس لانطلاقة منتجة للمصارف، جديدة كانت أو قديمة، منها مشروع الترخيص لـ5 مصارف جديدة توزع على الطوائف اللبنانية، أو ضخ سيولة في المصارف الحالية عبر جذب توظيفات جديدة من مستثمرين عرب وأجانب، أو إعادة تنظيم القطاع المصرفي من خلال “استحواذ” مصارف على أخرى، أي دمج بنك أو أكثر يملك نسبة سيولة إيجابية، مع مصرف أو أكثر يملك نسبة سيولة سلبية، بطريقة تقلل نسبة الانكشاف والمخاطر.
بيد أن كل هذه الطروحات تبقى كلاماً في الهواء، ولا يمكن أن يُكتب لها الحياة قبل إعادة هيكلة القطاع المصرفي ليستوفي كل متطلبات “بازل 3” حيال السيولة ورأس المال وغيرها من المتطلبات التي تفضي الى استمرارية القطاع وتنشيطه.
ولكن في الواقع، ما أشيع عن الترخيص لـ3 مصارف جديدة أكدته مصادر مصرفية لـ”النهار”، إذ أشارت الى أن ثمة مستثمرين متنوّعي الهويات والجنسيات، بينهم مستثمرون لبنانيون جديون اطلعوا على الشروط المطلوبة، وأبدوا استعدادهم لتلبية الشروط الجديدة، ومنها وضع رأسمال يراوح بين 40 و50 مليون دولار “فريش”. وبناءً على المعلومات التي حصلوا عليها تقدّموا بأربعة بطلبات لإنشاء مصارف جديدة، ومن هؤلاء أحد نواب حاكم مصرف لبنان السابقين الذي يبدو أنه سيكون مساهماً في أحد المصارف الجديدة. وتؤكد المعلومات أن ثمة ترخيصين لإنشاء مصرفين رقميين “أون لاين” انطلاقاً من كونه تعاملاً مصرفياً متطوراً غير تقليدي، على أن تُخصّص أعمالهما للعمليات المصرفية الصغيرة (حسابات وقروض صغيرة، وتحاويل إلكترونية).
وفيما كان الحديث عن إمكان إنشاء مصارف جديدة عبر تملك مصارف قديمة، أي شراء رخصة قائمة، بدا التردّد واضحاً لدى هؤلاء من تملك مصرف متعثر تخوّفاً من سمعته على الرغم من أن المستثمر الجديد سيعمد الى قلب الإدارة رأساً على عقب من خلال تسلم وجوه جديدة كلياً بما ينطوي على إيجابية إعادة رسملة المصرف المعنيّ.
وعن موعد بتّ التراخيص الجديدة، أكدت المصادر أن العملية تحتاج الى بعض الوقت، إذ إنه ما بين تقديم الطلب وإعطاء الرخصة وبدء العمل رسمياً يحتاج الأمر على الأقل الى ما بين 6 أشهر وسنة.
الأمين العام لجمعية المصارف الدكتور فادي خلف الذي حضر اجتماع لجنة المصارف أمس قال لـ”النهار”: “مبدئياً كان هدف الاجتماع البحث في تراخيص مصرفية جديدة، ولكن تشعب النقاش ليتركز أخيراً على من يحمل مسؤولية الأزمة المصرفية، أما النقاش في موضوع الترخيص لمصارف جديدة فلم يستمر أكثر من 3 دقائق”.
ولكن ما موقف جمعية المصارف من إعطاء تراخيص جديدة؟ يؤكد خلف أنه “لا يمكن الحديث عن مصارف جديدة قبل تنظيم القطاع المصرفي من خلال إعادة هيكلته. فالعمل المصرفي حالياً يقتصر على عمليات “الفريش” التي يمكن من خلالها تأمين مبالغ للمودعين، وتالياً فإن الترخيص لمصارف جديدة يمكن أن يجذب هذه الأموال، بما يعني القضاء على المصارف الحالية وإمكانية الدفع للمودعين الحاليين، مؤكداً أن “لا معلومات جدّية عن تراخيص جديدة أو عن المهتمين بإنشاء مصارف جديدة أو التوظيف بمصارف حالية”.
من جهته، نائب المسؤول التنفيذي الرئيسي في بنك عوده خليل إبراهيم الدبس اعتبر أنه “لا يزال مبكراً الحديث عن تراخيص جديدة”، معرباً عن اعتقاده بأن “مصرف لبنان يتريّث بالترخيص لمصارف جديدة، ولكن لجنة الاقتصاد ارتأت الوقوف عند رأي المصارف في هذا الموضوع”.
وسأل الدبس عن المستثمرين الذين يمكن أن يهتمّوا بتوظيف أموالهم في القطاع المصرفي من دون وجود قانون للتسليف ينظم العمليات المصرفية ويحدّد إيفاء الدين بالعملة المنصوص عليها في العقد، لافتاً الى أن “الترخيص لمصارف جديدة سيضرّ حتماً بالمصارف الحالية لكونها ستستقطب كل المودعين الجدد، والأخطر أنه إن كانت البداية جيدة للمصارف الجديدة فسيُغضّ النظر عن معالجة أزمة المصارف الحالية التي تراوح مكانها منذ أكثر 3 أعوام من دون أي معالجة جدّية لإعادة هيكلتها”.
وإذ استبعد إمكان دخول مستثمرين جدد في القطاع المصرفي قبل إعادة هيكلة القطاع المصرفي خصوصاً في ظل الاوضاع السياسية والقضائية القائمة حالياً في لبنان، قال “يمكن أن يكون هناك مستثمرون مغامرون، ولكن السؤال الأهم عن المبالغ التي يمكن أن يضخوها، فإن كان المطلوب رأسمال 50 مليون دولار، فهل يمكنهم من خلال هذا المبلغ تلبية حاجات الزبائن وخصوصاً موظفي الدولة والأسلاك العسكرية أو فتح فروع جديدة في المناطق كما هي حال المصارف القائمة”.
توازياً، مصادر مصرفية رأت أن الترخيص لمصارف جديدة سيضرب كل الأمل أو القدرة على إمكان استرجاع المودعين الصغار والكبار لأموالهم، إذ من الحلول المتداولة أن يخصَّص مبلغ لصغار المودعين يقدَّر بنحو 20 مليار دولار (نصفها بالدولار والنصف الآخر بالعملة اللبنانية)، على المصارف تأمينها من أرباحها من الأموال الفريش التي تستقطبها. وتالياً فإن الترخيص لمصارف جديدة تستقطب كل عمليات الفريش الجديدة سيؤدي الى تعثر المصارف الحالية عن الدفع للمودعين الصغار الذين تقلّ ودائعهم عن 100 ألف دولار. أما ما يتعلق بالحلول للمودعين الكبار، فتقضي بتخصيص نحو 30% من أسهم المصارف لصندوق استرداد الودائع، علماً بأن قيمة هذه الاسهم عملياً هي من الارباح المستقبلية. وتالياً إذا فُتحت مصارف جديدة وصبّت كل العمليات المصرفية لديها، فذلك يعني أيضاً أن لا تكون هناك أيّ قيمة للأسهم الآنفة الذكر بما يعني أيضاً أنه لن يكون في مقدور المصارف رد الودائع الكبيرة من أرباحها المستقبلية.
وعلى الرغم من تأكيدها أن مصرف لم يقفل باب التراخيص لمصارف جديدة، تستبعد المصادر وجود رغبة أو نيّة لمصارف جديدة في دخول السوق اللبنانية في ظل عدم قدرة الدولة على دفع استحقاقاتها، وفجوة مصرف لبنان، أما إن كانت عدم الرغبة في الاستثمار بالقطاع المصرفي تنسحب على المصارف الرقمية أيضاً، فتقول المصادر “الاستثمار بالمصارف الرقمية موضوع آخر، ولكن استثمار مصارف تجارية أمر مستبعد، لكونها لا يمكن أن تعمل في بيئة غير مؤاتية، وتالياً يجب إعادة هيكلة المصارف ومعالجة فجوة مصرف ودفع الدولة لالتزاماتها بطريقة صحيحة، وبعدها لكل حادث حديث”.
وإن كان ثمة استحالة أن يكون لمصارف أجنبية مصلحة في توظيف أموالها في لبنان في ظل الأوضاع الحالية في لبنان، توازياً مع حديث عن أن بعض الجهات تعمل على جمع معلومات عن بعض المصارف بهدف تقييم الاستثمار فيها بعد إعادة الهيكلة، فإن الحل برأي الخبير الاقتصادي مروان اسكندر أن “يصار الى عمليات دمج بين المصارف الحالية، أو دخول مصارف كبيرة الى السوق المحلية كبنك قطر الوطني مثلاً الذي يُعد أكبر مصرفي عربي، على أن يأخذ على عاتقه توظيف نحو 12 مليار دولار في 4 مصارف لبنانية على نحو يمكنهم من إعادة القسم الاكبر من أموال المودعين تدريجاً”. ولكن ما الذي سيغري المصارف للاستثمار في القطاع المصرفي اللبناني؟ يوضح اسكندر أنه “ليس من الضروري للمهتم بالاستثمار المصرفي في لبنان أن يبدأ فوراً باستقبال الودائع المصرفية أو فتح اعتمادات جديدة، بل البدء بتوظيف أمواله في رأسمال أي مصرف وإيداعها في مصرف أجنبي في الخارج في انتظار انفراج الوضع في لبنان”. على كلّ، يستبعد اسكندر إنقاذ القطاع المصرفي ما لم يُرفد برساميل بنحو 25 مليار دولار على الأقل.