عصر الدولرة “يُدوبل” الأسعار
كتب رمال جوني في “نداء الوطن:”
لا أعرف من باع الوطن، لكنني رأيت من دفع الثمن. المهمشون والبائسون والمشردون. قضت الحرب على كلّ شيء، على المصانع الصغيرة. حرقت الأخضر واليابس، لم تبقِ سوى ذاكرة مهشّمة فاقدة للوعي.
يصعب على الناس قبول ما يحصل. يذرف بعضهم الدموع حزناً على مصائبهم القاسية. دموع تنتهي عند أعتاب عيادة الطبيب، يعجزون عن طرق بابها. الدخول يعني دفع مليون ليرة. صحيحٌ أنها لا تساوي سوى 10 دولارات، غير أنها بالنسبة لعامل النفايات تساوي ثلث راتبه. هؤلاء يتقاضون 190 ألف ليرة يوميّاً، لا تمنحه ثمن منقوشة زعتر وعلبة «بونجوس». قد يكون التسعير بالدولار حلّاً لفلتان الأسعار، ولكن لتجّار اليوم فرصة لـ»دوبلة» الأسعار.
صدمة رافقت دخول عصر الدولرة. ارتفعت الأسعار بين الأمس واليوم مرّة ونصف، فالسلعة التي كانت بدولار أصبحت بدولارين، «ولا من شاف ولا من دري». تقسو الأسعار على الفقراء، يُخيّم الحزن على وجوهم. ماذا يفعلون؟ كيف يتدبّرون أمرهم؟
كُثر باتوا عاجزين عن شراء قارورة غاز. يعتمدون على حواضر المنزل في مأكلهم. الجبنة واللبنة باتت خارج الحسابات، أما كرتونة البيض فتخطّت الـ300 ألف ليرة. لم يعد البلد للفقراء. هؤلاء باتوا عاجزين عن اللحاق بلعبة الدولار. يقلقهم أن يطرق المرض بابهم. الدواء باهظ الثمن والطبابة خرجت من الحسابات. عادوا إلى زمن الزوفا والبابونج وحتى الزهورات. تجدها رفيق السهرات اليوم، أفضل من الدواء.
بسحر ساحر ارتفعت السلع في منطقة النبطية من 50 ألف ليرة إلى 100 ألف دفعة واحدة، والسبب كما يردد الباعة «الأسعار نار». يحترق المواطن يوميّاً بلهيبها. باتت عينه على «بورصة الدولار».
في السوبرماركت، تُخيّم الصدمة على الوجوه. كيلو «سودة دجاج» تخطّى الـ250 ألفاً، أما أسعار الدجاج واللحوم، فباتت لمن استطاع إليها. علامات التجهّم هي السائدة. تُدقّق زبونة في السعر، تحاول أن تُصدّق. قبل الدولرة كانت السلعة بدولارين. باتت اليوم 3 دولارات. «الكلّ فاتح على حسابه»، الرقابة مفقودة، أو كما عبّر البعض «رقابة بسمنة ورقابة بزيت».
لا تقف الأسعار عند حدّ الإرتفاع، بل يبدو أننا دخلنا زمن الغش المدولر. يتزايد الغش في اللحوم، ملاحم كثيرة تبيع لحوماً مشبوهة وفاسدة. إذ لا تزال سوزان تعاني من آثار تسمّمها هي وزوجها جرّاء شراء اللحمة من إحدى الملاحم في بلدة تول. كثر مثل سوزان وقعوا ضحيّة اللحوم الفاسدة التي تباع بأسعار مرتفعة في ظلّ غياب الرقابة الفعلية على اللحوم.
في هذا السياق، تشير مصادر موثوقة إلى أن «اللحم الهندي المُثلج يغزو الأسواق. تبيعه الملاحم لأنّه أرخص، ويحقق لها أرباحاً، حتى أن بعض المسالخ توفّره عبر التجّار وتسلّمه للملاحم، وهو أمر يشكّل تهديداً لصحّة الناس، والأخطر أنه يباع بتسعيرة اللحم البلدي أي 10 دولارات للكيلو الواحد». لا تستغرب المصادر غزو اللحوم الهندية السوق، طالما لا يوجد رقابة صارمة. وتؤكّد أن هذه اللحوم عادة ما يكون لونها وشكلها مختلفين وتدفع للريبة، متسائلةً عن دور وزارة الإقتصاد في هذه المسألة.
أمّا أجهزة الرقابة المحلية فغائبة. حتى شرطة البلديات لا تقوم بدورها في هذا الخصوص. لم يسبق لأي بلديه أن فعّلت أجهزتها الرقابية الداخلية. بعضهم يعزو السبب إلى الإضرابات السائدة داخل القطاع العام، وبعضهم إلى شحّ الأموال.